سوشيال ميديا

بعد انقطاع الكهرباء، وتعطّل موّلد الحي، حاولتُ في الظلام أن ألقي بنفسي على أرضية

بعد انقطاع الكهرباء، وتعطّل موّلد الحي، حاولتُ في الظلام أن ألقي بنفسي على أرضية السطح، كما كنا نفعل للهرب من الحرّ، مستعينة بهواء الرب. لكنني أشعر بأنّ شيئاً ما تغير، حتى السطح صار حاراً جداً، ولا هواء، السطح قرر أن يكون لاهباً، هو ايضا
العراقيون قبل الحرب وبعدها بسنوات قليلة، اعتمدوا سطوح المنازل، مهرباً من انقطاع الكهرباء. في المساء، نقوم بتجهيز حاجياتنا ونصعد إلى السطح لعدّ النجوم والاستماع الى الراديو، فيبقى الفانوس النفطي، حارس المنزل المظلم، واحيانا نتبادل أواني الطعام مع جيراننا عبر السطوح، ونقف للحديث معهم. أمي تحب ذلك، حديث السطح خليطاً من الشكوى وتفريغ القهر: “نفدت الحصة التموينية، الطحين خلص، لا وجود للنفط، الماء مقطوع ولم اتمكن من تخزين المياه، فيما يتسلل صوت ماجدة الرومي من ثقوب الراديو وهي تغني “انا عم بحلم، ليل نهار بالورد المليان زرار”. وننام من دون أن ننتبه، وتوقظنا الشمس القاسية في الصباح.

يتأقلم العراقيون بما يتاح لهم من حلول، بعد2003 استمر نوم العائلات فوق السطوح، حتى بداية الحرب الطائفية، لكن الكثير منهم استيقظوا ووجدوا احبتهم النائمين بقربهم، ناموا إلى الأبد برصاص طائش، ثم جاء زمن المولّدات الصغيرة، التي تساعد قليلا، لكن البنزين غال فاضطروا إلى اعتماد السطوح مجبرين، حتى ظهور المولّدات الكبيرة
يصرخ العراقيون بفرح عندما تأتي “الوطنية”. تخبرني زميلتي أن محطة الكهرباء التي تعرضت للقصف عام 1991، عادت بعد ستة أشهر إلى العمل بعد انقطاع كامل، اعتاد العراقيون خلاله على ضوء الفوانيس طوال تلك الفترة. وقتها لم تكن المولدات موجودة.

يتمنى العراقي انتهاء الحر كما لو كانت حرباً، لأن الحروب لا تنتهي إلا بعد أن تنهك قلوبنا وأجسادنا. الصيف كالحرب في هذه البلاد، قاس ومؤذ وقاتل أحياناً. العراقي يتمنى بقاء الكهرباء لساعة إضافية، يتمكن فيها من شرب الشاي بهدوء لا أكثر. يحلم بالنوم المتواصل، بدل أن توقظه “لعبة” الكهرباء، أو يجد نفسه سابحاً بعرقه.
اخشى الشمس حتى وانا في إجازة خارج العراق، في نيس الفرنسية مثلاً، في جو ربيعي منعش،كنت وبثقة مطلقة ألبس ثياباً شتوية وانا أتنزه على الكورنيش البحري، وأراقب الناس كيف يهبون أجسادهم بثياب البحر، للشمس والرمال. يومها، لشدة صدمتي، أرسلت صوراً لاختي: “الحقي هناك أناس يسبحون في هذا الوقت من السنة”، تجيبني اختي بضحكة طويلة”خل يجون للعراق”. مشهد الناس وهم يسبحون في مارس، جعلني أدرك حجم الهوة بيننا وبين العالمين، حتى بالفصول، وكأن أجسادنا تبرمجت على الشعور المتطرف بالبرد والحرّ. لا حلول وسطى.

الكاتبة اية منصور
@ayamansour11

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫10 تعليقات

  1. من رخصة صاحب الحساب،
    سويت هالبيج جديد باب رزقي اتمنى تلقون نضرة على بضاعتي، ياريت تصعدون تعليقي فضلاً وليس امراً 🥺❤️.

  2. كل الشكر والحب اصدقائي المبدعين❤️ ممتنة جدا لمشاركتم الدائمة، اتمنى لكم كل التوفيق❤️

  3. اي والله صح اذكر قبل من جنه انام عالسطح نخلي الفراش المغرب حتى من نصعد بالليل نلكاه بارد

  4. رايدو القيثارة في زماننا ، وكانت الموجة على صوت مونتيكالرو ومن بعدها تطربنا ام كلثوم ليلاً ، وينام من ينام ويشخر ويبقى الاخرين يتهامسون ويراقبون تجمع نجوم ( ثريا ) .. ويصبح الصبح ويفيقك الذبان او صوت المبردة عند مجيء الوطني فينزل من مع وسادته وغطاه ويبقى من يصب عرقا تحت الشمس نائماً …. الحر والعيش الذي يعيشه العراقيين قصص تروى لمسامع الالفيات والتسعينات والثمانينات والحال كما هو .. تغيرت الاوطان وبقينا نحن ككتاب لم يقرأ له حرفا على رف الكتب المغبر … عاشت ايدك اية سرد بسيط للاذهان .

  5. هالله هاي ناس تحتاج دعم واحد يتابعها حتى تطور نفسها

    مو تابعلي عرنوص لان حامل وطريبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى